Thursday, August 20, 2015

التاريخ السري للقنبلة

يوم الجمعة الماضي شهد حيّنا انفجار 5 قنابل، شهد شقيقي الأصغر 3 منها، وقبلها بأيام تم اغتيال ضابط شرطة وانفجرت قنبلتان بجوار منزل شقيقي الأوسط.. لقد صار الأمر قريبا جدا، هذا هو لسان حال الجميع عندنا الآن.
لكن العنف لم يكن بعيدا عنا، فخلال فترة التسعينيات كانت التوترات الطائفية في ذروتها بالمطرية وعين شمس والأميرية، وكلها أحياء تحيط بحي الزيتون حيث أعيش.. كانت الأحوال لدينا ألطف في العموم، لكن هذا لم يمنع وقوع حادث انتقامي له طابع طبقي وطائفي خلال نفس الفترة، عندما قامت مجموعة إرهابية بسطو مسلح على عدد من متاجر الذهب مملوكة لأقباط، كانت مذبحة راح فيها عدد من العاملين بهذه المتاجر، وقضت فعليا على سمعة الزيتون كثاني تجمع للجواهرجية بعد سوق الصاغة.. بعد الحادث قامت الداخلية بتعيين عدد من أفراد الأمن لحراسة المتاجر، ومع الوقت أضيف هؤلاء الأفراد لقوة العمل لدى الجواهرجية، ابتداءا من الوجبات والمشاريب، وصولا إلى الإتاوات المعتادة، ثم الارتخاء في انتظار الحادث التالي.
وفي 2008 تكرر الحادث مع أحد المتاجر المتبقية، وكان ضحيته 5 أفراد.. لا جديد في الأمر، وفي العام التالي انفجرت قنبلة بدائية الصنع تحت سيارة أمام كنيسة العذراء.. هكذا بدأت الداخلية في الانتباه، وكانت حصيلتهم هي القبض على خلية الزيتون الإرهابية، وفي قضية تحمل نفس الاسم، اتضح أن زعيم الخلية هو شخص ذو إعاقة حركية، وبحسب تحقيقات النيابة، كانت الخلية تخطط لتصنيع طائرة بدون طيار، وسيارة تعمل بالتحكم عن بعد، كما خططت لجمع تبرعات من أجل تخصيب اليورانيوم الموجود بالرمل الأسود تمهيدا لصنع قنبلة نووية.. نعم الكلام صحيح!
لا يعرف معظمنا أن ميدان المطرية شهد مواجهات أكثر دموية من ميدان التحرير في جمعة الغضب 2011.. الميدان هو البوابة الوحيدة لكتل سكانية مرعبة كانت السلطة تمارس سلطتها فيها عن طريق المخبرين وتجار المخدرات والعائلات الكبيرة مع نواب البرلمان، وفكرت الداخلية أن قتل عدة أشخاص في المطرية سيفيد في تأديب هؤلاء العصاة وأن الأمر سيمكن تغطيته، لكن القتل لم يفد في اليوم، وبحلول الليل كان مبنى قسم المطرية القديم تلتهمه النيران، وكذلك مجمع الأميرية، وتمت مطاردة رجال الشرطة في الشوارع، ويُحكى أن العقيد “وائل طاحون”، الذي تم اغتياله الأسبوع الماضي لجأ لأحد المساجد، واضطر لاستعارة ملابس إمام المسجد من أجل الهرب.
في الزيتون، تكرر الأمر بشكل روتيني يليق بمنطقة هادئة ليس لها باع في العنف ضد السلطة، تم إحراق قسم الزيتون جزئيا وتحرير المسجونين به، ربما لأن الأهالي سيشعرون بأنهم أقل من المناطق المجاورة، وأيضا لتسهيل مهمة تسريب محتويات مخزن السلاح وبيعه، وفي الأيام التالية أصبح القسم نصف المحترق مزارا سياحيا.
كان الخطر مستمرا في الاقتراب بدون أن نشعر، خلال عامين من الثورة قُتل شابان من الشارع الذي أسكن به، وفي يناير 2014 كانت هناك مذبحة أخرى بالمطرية راح ضحيتها أكثر من 40 شخصا، كثير منهم تم تقييد وفاته كانتحار، ولهذا سيظل العدد غير دقيق، منذ 30 يونيو 2013 قُتل أكثر من 120 شخصا من المطرية وحدها، سواء في مواجهات مع الشرطة أثناء مظاهرات الإخوان، أو بهبوط حاد في الدورة الدموية بقسم المطرية! الأعداد غير دقيقة لنفس الأسباب، وهي لا تشمل قتلى الأحياء الأخرى الذين سقطوا في المطرية.
منذ عدة أشهر استقلت المطرية حرفيا عن سلطة الدولة القمعية، حدث هذا لعدة ساعات، بعد مواجهات شاركت فيها الدبابات والمدرعات العسكرية، وفي الصباح التالي ذهب الناس لأعمالهم وخرج أصحاب المحال لتنظيف الأرصفة من آثار الاشتباكات.
الآن الناس عندنا مندهشون لأن أصوات القنابل أقوى مما كانوا يتخيلون. بالفعل تبدو كل الأمور السيئة أقل من حجمها إذا فكرت أنها تحدث للآخرين.. يوم الجمعة الماضي سمع فتى صغير الأهالي يحذرونه، ثم وجد نفسه محاطا بأهله في المستشفى، لم يسمع حتى صوت الانفجار ولا أحس بوهجه.
تنتهي الكثير من الأمور بالاعتياد، بعد ساعات من تفجيرات الجمعة، كنت أمر هناك، الحياة عادية بعد انفجار القنابل، وفكرت أنه عندما تصبح الانفجارات أمرا يوميا اعتياديا، وقبلها مذابح متكررة مرت كأنها سحابة صيف، فإنك لن تدرك أبدا تحذيرات القدر فيما قبل الكارثة.
يتعامل المجتمع مع يوم جمعة الغضب كأنه حدث ميلودرامي غير مبرر وبلا مقدمات وتحذيرات.. في السنوات السابقة كان يمكنك ملاحظة تصاعد العنف المجتمعي والجنائي، أتذكر حادثة سائق الميكروباص الذي دهس قاضي سابق في مشادة بالشارع.. العبرة على قارعة الطريق لمن يعتبر، عام 2011 بدأ بتفجير كنيسة القديسين ومحاولة الدولة لاستثمار الحادث في حصد تأييد الأقباط، وانتهى بمذبحة ارتكبتها نفس الدولة من أجل إخراجهم من معادلة القوى المحتجة ضدها.
لن تكون هناك ثورة لطيفة قادمة.. يمكن بناء أفق سياسي فوقها.. فشلنا وتهافتنا في عامين ونصف هو ذكرى سيئة تعلم المجتمع منها، والآن نعرف كلنا أننا نعيش في دولة فاشلة في إدارة شؤون المجتمع وتفضل تسميم مياهه عن محاولة إصلاح نفسها أو حتى الاعتراف بالخطأ، بمؤسسات طائفية منشغلة حتى أسنانها بالصراع من أجل مناطق النفوذ والمصالح الذاتية.
لم تعد الانفجارات غريبة، ثم ماذا بعد؟

No comments:

Post a Comment