Sunday, October 9, 2011

المواطنون الشرفاء- تاكسي رينو 1981

لدى الأسطى سالم قاعدة بسيطة كسائق تاكسي: منطقة عمله تقع داخل مربع يضم مصر الجديدة والزيتون وحدائق القبة فقط، وهو لا يخرج من هذا المربع أيا كان الإغراء. وإذا كنت تعرف الأسطى سالم جيدا، فستدرك أنه لا يكسر قواعد عمله أبدا.
كان يشعر بالأمان داخل هذا المربع ولا يجد فائدة في المخاطرة بالخروج، وداخل المربع هناك منطقة أكثر دفئا في الزيتون حيث يسكن. التواجد ضمن المربع الأساسي كان الذهاب لأماكن لا يعرفها، أما المنطقة الدافئة فكانت تمثل الحماية من اعتداء أمناء الشرطة، وفيها كان يقضي الأسابيع التي يسحبون فيها رخصته أو عندما لا يملك تكلفة فحص وتجديد أوراق السيارة.
وتبدو هذه القاعدة حكيمة جدا الآن، مع وجود جحافل البلطجية الذين انتشروا في كل مكان، مفضلين سرقة سيارات التاكسي تحديدا. الأسبوع الماضي سمع أنهم خرجوا على شخص ما في شارع ترعة الجبل وحاولوا سرقة سيارته، ولأنه قاومهم فقد أطلقوا عليه النار من أسلحتهم الآلية، ثم تركوا سيارته وسرقوا المحمول الخاص به فقط، تاركين السائق ينزف حتى الموت في الشارع المزدحم بالمارة.
لقد سمع نفس الحكاية بحذافيرها منذ شهرين، مع إضافة تفاصيل عن السائق الذي كان له ولدان أحدهما في الجامعة، ولذلك تجنب الأسطى سالم المرور في شارع الترعة لعدة أيام، إلا أنه كان من المستحيل الاستمرار في هذا مع قاعدة عمله الصارمة، فعاد بالتدريج متعايشا مع خوفه. لم تكن سيارته الرينو طراز 1981 تُغري بالسرقة على أي حال، وحتى لو تم تفكيكها فإن ما ينتج منها لن يصلح كقطع غيار، السيارة من الأساس تحولت إلى مجموعة من قطع الغيار التي سبق استعمالها آلاف الكيلومترات بسيارات أخرى، ولم يكن مستعدا لإجراء إصلاحات كبيرة بها حتى لا تنهار نهائيا.
كفاية إنها ماشية، وهذا ما يغري الطامعين.. هكذا قال لنفسه.
لم يكن مقياس الحرارة بالسيارة يعمل، وكذلك دورة التبريد التي تسرب من عدة أماكن، لكن كان يمكنه الشعور بحرارة المحرك وهي تهب عليه بينما السيارة متوقفة تماما في آخر ساعة، ولم يكن قادرا على إطفاء المحرك خوفا من عدم دورانه مجددا.
كان غاضبا ويحتاج للتنفيس عن أعصابه، خاصة وأن الزبونة هربت وتركته مفضلة المشي أو استخدام المترو، خرج من السيارة ونظر لآخر الشارع فلم يستطع أن يرى شيئا (حيث أن نظره يضعف بشدة خلال الليل وهو لا يحب ارتداء النظارة إلا في القراءة واختبارات القيادة). تلفت حوله فوجد بجواره 3 مراهقين فوق عربة كارو محملة بأجولة من نواتج الهدم بإحدى الشقق (كانوا في طريقهم لإلقائها بجوار المترو لكن الشلل المروري منعهم فلم يعد أمامهم إلا الانتظار حتى نهاية الأزمة ليستكملوا مهمتهم). رمى عليهم السؤال التقليدي:
-         - هو فيه إيه؟
سحب أحدهم آخر نفس من زغروف البناجو وكاد أن يرد عليه إلا أن أصغرهم بادر بالواجب:
-         - بيقولوا البلطجية بتوع التحرير جايين علينا.. ما تلحق نفسك يا عم الحاج.
لم يخطئ اللهجة الساخرة في كلامه، وأدرك أنه سيكون مسخرة لهؤلاء الأوباش فاستدار ناحية الرصيف ليجد شابا يحاول التسلل بين السيارات المتوقفة، فنقل سؤاله له:
-         - هي واقفة لحد فين؟
-         - لحد آخر الشارع، بس أنا مش عارف ليه أنتو زانقين نفسيكم هنا، الشارع اللي بره رايق.
لوهلة أسعده الخبر، لكنه استعاد طبيعته المتشككة، فهو لا يدري إذا كان كلام الشاب صحيحا أم لا، خاصة وأن الشارع الآخر أقرب لوزارة الدفاع، كما أن عملية الخروج من هذه الأزمة ستكون أصعب مع كل هذا الزحام.
سيبقى بلا حركة حتى آخرتها.
-         - الله يحرق بتوع التحرير.

No comments:

Post a Comment